بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
أخيتاه ، هذه نصيحة أخٍ غيورٍ مشفقٍ عليك ، أسديها إليك ، راجيا من الله تعالى أن تجد محلها من قلبك المفعم بالإيمان .
أختاه ، أيتها الكريمة ، يا من آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا - اعلمي علمني الله وإياك – إنني ما جئت لأجد عليك ، أو أغلظ لك القول ، وإنما الدافع هو شرف الأخوة الإيمانية ، والرحمة بالنفس ، وقد قال تعالى: ]إنما المؤمنون إخوة ..[.
وقال سبحانه :] والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ..[ وقد وصفهم سبحانه كالبنيان المرصوص وهو الذي لا تصدع فيه ، ولا تشقق ،لشدة تماسكهم ، وتلاحمهم ، وترابطهم فهم كالجسد الواحد كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :<< مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى >> متفق عليه .وفي حديث آخر وصف المؤمن بالنسبة لأخيه المؤمن كالصورة الحقيقية التي تعكسها المرآة للشخص الواحد فيرى في صورته ما يشوب جمالها ، ويشوه آداب سلوكها ، فقال صلى الله عليه وسلم : << المؤمن مرآة المؤمن >>.
صحيح الجامع حديث 6531.وفي رواية أخرى : << المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته،ويحوطه من ورائه >> صحيح الجامع [ح 6532 ].
ومعنى قوله يكف عليه ضيعته ، أي يحفظه في ماله ، ومعنى يحوطه من ورائه أي يحفظه في عرضه ويدافع عنه في غيبته ، أما من لا يدافع عن عرض أخيه فجزاؤه أن يسقيه الله يوم القيامة من قيح وصديد عصارة أهل النار، قال صلى الله عليه وسلم : << من لم يرد عن عرض أخيه سقاه الله يوم القيامة من طينة الخبال >> صحيح ابن ماجة ، وطينة الخبال هي القيح والصديد الذي يعصر من أهل النار ، هذا جزاء من لم يرد أما من وقع بنفسه واسترسل ولم يتوقف فذلك أشد وهو من أربى الربا عند الله تعالى كما بينه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله :<< إن من أربى الربا عند الله استطالة المسلم في عرض أخيه >> صحيح الجامع، ومتعاطي الربا هو في حرب مع الله ، فكيف بمن يأكل أربى الربا ، لهذا كله ، ولما نسمعه من كلام الناس حيث يقولون : تلبس الجلباب وتكسر الأبواب وتفعل كذا.. وكذا ..وأنها تتستر بالجلباب .. وغير ذلك ، وهذا سببه بعض تصرفات بعض أخواتنا وبناتنا المتجلببات ،حيث نراهن يتوسطن الطريق ويحققنه ،وهذا ليس لهن ولا يجوز لهن ، كما قال صلى الله عليه وسلم : << استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق>> رواه أبو داود ، فكانت نساء السلف يمشين ملتصقات بالجدران .
أما أخواتنا اليوم ممن يزعمن الالتزام فنراهن يزاحمن الرجال دون حياء ، ولا حشمة ، بل أكثر من ذلك ، يتجاذبن أطراف الحديث مع بعضهن البعض بصوت مرتفع في الشوارع، ويضحكن بقهقهة ، وينبسطن في الكلام مع الرجال الأجانب في المحلات، والأسواق ، والطرقات، وحرم الجامعات ، وأقبح منه أن ترى إحداهن ترتدي الجلباب ، وتأكل -البّتزا - أو تلحس المثلجات في الشارع وفي المحلات دون حياء ولا ورع ، وقد صعب عليها أن تترك عادات ألفتها،وسلوكيات ورثتها عن مجتمعها الفاسد بعدما التزمت ،هذا خارج البيوت ، أما داخلها وبين الأقارب ، وأمام الأحماء ، وأبناء العمومة والعمات، وأبناء الأخوال والخالات، وأبناء الجيران ، وأصدقاء الدراسة والعمل الذين يزوروننا في البيوت فحدث ولا حرج عن المخالفات التي يقعن فيها ،والمفاسد التي تحصل لهن بذلك ،أما في المناسبات والأفراح فلا أستطيع أن أصف ما يقعن فيه من مخالفات مثل وضع الجلباب أمامهم ، والجلوس إليهم بغير حجاب ، والانبساط في الكلام والاسترسال فيه ،والغناء ، والموسيقى ، وما يبث في التلفاز من أفلام ساقطة وإشهارات للفضائح والرذيلة ،مما جعلها ترضى بذلك ولا تحرك ساكنا ولو بإشارات قليلة ، ومن لم ترض فقد تعبت المسكينة في محاولتها الكليلة ، بين من يرون الغاية تبرر الوسيلة .
أخيتاه لهذا كله جئت أنصح لك ، وأذكرك بالله ، فأنا أغار أن تخدش كرامتك ولو بشوكة ، وأن تلوكها الألسنة ، ويرميها الناس بالأسنة في كل الأزمنة والأمكنة من حياة عصرنا .
أختاه ،لهذه الأسباب، وتبرأة للذمة أمام الله ، ومن باب المؤمن مرآة للمؤمن ،فقد رأيت على صورتي التي تبرز عليك كما يصورها الحديث الآنف الذكر بعض الغبار المتمثل في نيةٍ عن الحد المشروع زائدة وغفلةٍ عن المنهج الصحيح سائدة ، وثقة عمياء عن الحق حائدة أردت أن أزيل عنك ذلك الغبار، وأذكرك الله – والذكرى تنفع المؤمنين - أن تحذري ولا تنجري وراء كل موضة براقة ، واحذري أن يخدعوك بقولهم حسناء ، أو بشعارات جوفاء ، كقولهم ، حرية المرأة، فلتلبس ما شاءت ، وتعمل ما شاءت ، وحيث شاءت ، وتأكل كيف شاءت ، وتخرج بلا حدود ، وتمشي دون حياء ولا حشمة ، وأن إرخاء الجلباب تشدد ، وارتداؤه خروج عن الواقعية ،وهو عيب وعار للعائلة ، وحبس لك عن كل ما هو جميل من الزينة الشيطانية ، وتضييق عليك أيتها الحورية ، فكل هذه الصيحات، وغيرها كثير وأخطرها الفتاوى المضللة ،التي نسمع عنها ونقرؤها في الجرائد والمجلات التي ما أنشئت إلا لضرب الإسلام في الصميم ، أذكرك أن تحذرها ، وتبحث عما ينجيك أمام العلي القدير يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
أختاه ، أنت من القوارير اللاتي أوصى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : << يا أنجشة رفقا بالقوارير ..>> فافرقي بنفسك قبل أن يرفق بك الصالحون، واعلمي أنك في مجتمع فاسد لا يعرف قدر القوارير ، بل يراهن لقمة سائغة ،مجتمع اختلط فيه الحابل بالنابل ، والصالح بالطالح ، وظهر فيه الفساد بشكل واضح ، بسبب الاختلاط ، بين الرجال والنساء في جميع مجالات الحياة ، حتى بين كثير من الأخوة والأخوات الذين ينتمون إلى المنهج السلفي – زعموا – ولا يذهب بك التفكير بعيدا أن تقولي أنك متجلببة ، وأنك لا تختلطي مع أي كان بل مع أخوة في الله في بعض الأماكن ، كالجامعة ، أو بعض المكتبات الدينية سواء الجامعية أو خارج الجامعة ، أو في بعض المساجد أو البيوت مع الأقارب والأصدقاء ، وهذا كله لا ينبغي أن يكون ، لأن المفاسد التي تترتب عليه من وراء الجدران وفي الخفاء أكثر بكثير من المفاسد التي تبرز في الواقع ، فينبغي أن تكون هناك حدود بينك وبين الرجال من غير المحارم، وخاصة من تخالطيهم بثقة عمياء فيحصل بسببها الدمار للشرف ،والخراب للفضيلة والحياء ، فلا ينبغي أن تكوني كالحمل الوديع أمام الذئاب الجائعة في وسط كثر فيه الخبث ، وقل فيه الناصحون المصلحون.
أختاه أيتها الفاضلة ، يا من ارتدت الجلباب رمز العفة والشرف والكرامة ، يا صاحبة الحياء والحشمة ، لا تعكري صفو حيائك ، وجمال شرفك فأنت كالعلامة ، غريبة في مجتمع يسوده الجهل والظلمة ، أنت غريبة كالشامة ، والأنظار متجهة إليك فامشي في عزة وشهامة، والتزمي بالمنهج الصحيح بثقة وصرامة ، ولا تعرضي بدينك للملامة ، وتذكري يوم القيامة ، يوم الحسرة والندامة ، وانشدي مرضاة ربك ودار السلامة.
أخيتاه ، يا أمة الله ، ناشدتك بالله أن تراجعي نفسك ، سكناتك ، حركاتك ، هل تعلمي معنى العبودية الحقيقية ؟ وهل أنت ممن حققها ؟
أم أنت ممن يخوض مع الخائضين ، ويرتع في كل ملاعب الغافلين ، ناسية أو متناسية يوم الدين ، يوم يؤخذ بك ذات الشمال من غير ذات اليمين ، ويقال : أصلوها نارا تلظى فهذا جزاء العاصين .
يا أمة الله ، إن العبودية الحقة هي أن لا نحرك ساكنا ولا نسكن متحركا حتى تعرفي حكمه في شرع رب العالمين ، فهل عرفت حكم ما تقومين به قبل كل قعدة أو قومة ، أو يقظة أو نومة ، أو غمزة أو كلمة ،فإن كل صغير وكبير مستطر [[ أي مسطر ]] ويوم القيامة تقولين ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا . فأين ما كنت تقولين ، هذا أمر بسيط ، وهذا ليس فيه بأس ؟ وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم .يقول أنس بن مالك رضي الله عنه :<< إنكم تعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر ، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات >>.رواه البخاري .
أيتها المؤمنة ، راقبي الله ولا تقومي بأي عمل حتى تعرفي حكمه في الشرع ، وكلما جئت لتتصرفي بتصرف في نفسك التي لا تملكها ، اسأليها هل ذلك التصرف مما يرضي مالكك سبحانه أو مما يسخطه ، مما يقبله منك أو يرده ، وهل تصرفت فيما لا تملك وفق الشروط التي أمرك بها مولاك أو أتبعت هواك .
أخيتاه ، إذا جئت لتتصرفي بأي تصرف يشين الضيف ، فاخرجي من ملكه ، واتخذي لك دارا في غير ملكه ، وإذا جئت ، لتعملي أي عمل لا يليق بمقام الجليل فلا تأكلي من رزقه ، وابحثي لك عن رزق غيره ،وإذا جئت لتعصي الله ، فاذهبي حيث لا يراك ،وإذا جاءك ملك الموت فاسأليه أن يؤخر أجلك ساعة، وإذا مت وجاءك زبانية النار ليأخذوك إلى جهنم فادفعيهم ورديهم عنك ، فلا شك أنك ستقولين : أن الملك كله لله وحده ، والرزق كله له سبحانه ، وأنه لا تخفى عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض الفانية، وهو
السميع العليم بالسر والعلانية ، فأقول لكِ : يا سبحان الله! ! تسكني ملكه ، وتأكلي رزقه ، ويراك فأنت بين عينيه يراك كالعارية ، لا يخفى عليه من حركاتك وسكناتك طاعة أو معصية ، ولا تستطيعي أن تأخري أجلك ساعة أو ثانية ، ولا تستطيعي أن تدفعي عنك ملائكة النار الزبانية ، وقد أخذوك مكبلة إلى الهاوية ،فأين عقلك ؟ وكيف تتصرفي فيما لا تملك يا جارية ؟ سبحان الله أنت عاقلة أم غافلة ، أم متعمدة جانية ؟!
أخيتاه هذه شروط قبول العمل الصالح .
الشرط الأول : الإيمان ، فإن عمل الكفار لا يقبل مهما كان ، لقول الله تعالى :{{ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا }} وما يعمله الكافر من حسنات في الدنيا كبر الوالدين وصلة الأرحام والصدقة فإنه يجازى به في الدنيا، أما المؤمنين فقد قال تعالى :{{ ومن يعمل منكم من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن }}.
الشرط الثاني : الإخلاص لقوله تعالى: {{ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ..}}وقال سبحانه:{{ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربي العالمين لاشريك ..}} وقال صلى الله عليه وسلم :<< إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه >>.صحيح الجامع ومقدمة صحيح الترغيب والترهيب .
والشرط الثالث : المتابعة : يعني أن يكون عملنا موافقا للسنة ، أي لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم : لقوله تعالى: {{ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول …}} ولقوله سبحانه:{{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم فانتهوا }}ولقوله صلى الله عليه وسلم:<< من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد >> رواه مسلم .
فأي عمل لم تتوفر فيه هذه الشروط فهو مردود على صاحبه كائنا من كان في كل زمان ومكان ، فإن توفرت بعض الشروط وانتفى البعض الآخر فعمل صاحبه مردود عليه كذلك ، وإذا رد العمل على العامل ولم يقبله منه فهي الخسارة التي ما بعدها خسارة .
أختاه أيتها الكريمة ، نرى كثرة الخروج منك ودون سبب يذكر أو لأسباب تافهة ، وخِدرك داخل بيتك خير لك وأطهر ، ولك في نساء خير الناس وخير البشر على الإطلاق أمهات المؤمنين ونساء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين قدوة وعفة وطهر ، فما عاهدناهن من خلال تجولنا في رياض سيرتهن أنهن كن يخرجن من البيوت بهذه الكثرة من غير حاجة ، مع أن زمانهن زمان طاهر وشريف ، وعفيف ، والمكان هو المدينة النبوية ، طيبة الطيّبة،ومكة مهبط الوحي ، ذلك لأنهن امتثلن قول الله تعالى : {{ وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى }}.يبين هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزواجه استأذنه في الخروج من البيوت ، فأخبرهن أن الله أذن لهن في الخروج لبعض حاجتهن . لأن المرأة مهما كانت فهي فتنة للرجل ، حتى لو كانت عجوزا شمطاء فلكل ساقطة لاقطة ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :<< ما تركت فتنة بعدي أضر على الرجال من النساء >> ولأن المرأة عورة بلباسها فلا يسترها إلا البيت ،لذلك أمرها بالبقاء والمكوث فيه ، وإذا خرجت منه في حاجتها لا تخرج إلا محتشمة متجلببة جلبابا يغطي جميع بدنها حتى القدمين ، وليس فوق الكعبين أو إليهما، حتى إذا مشت تعرت قدماها ، وتمشي غاضة طرفها مطأطئة رأسها تمشي في تواضع وحياء على حافة الطريق من غير ضرب للرجل أو تمايل للجسد أو حركات بهلوانية أو تصنع في الكلام ، فيطمع الذي في قلبه مرض ، فتصيبها اللعنة في قوله صلى الله عليه وسلم :<<.. ألعنوهن فإنهن ملعونات.. >> وبذلك لا تدخلن الجنة ولا تجدن ريها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا .. وكذا.. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :<< .. نساء كسيات عاريات ، مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا >> ومعنى قوله : مائلات :أي عن الحق ، ومميلات : أي مميلات لغيرهن فاتنات لهم ، فكانت سببا في إفساد المجتمع ، وفتنته حتى لو كانت تجلببة ، فتكون بذلك متعاونة على الإثم ونشر الفاحشة في المجتمع ، وقد قال تعالى : {{ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وتعاونوا على البر والتقوى }} .
التدخل فيما لا يعنيك :
نجد كثيرا من أخواتنا المتجلببات يتدخلن فيما لا يعنيهن من أمور الآخرين ، فتجدها تقحم نفسها في وسط عائلة أخرى ،وتتصرف داخل هذا البيت وكأنه بيتها أو بيت أبيها دون أذن من أصحابه ، وبعضهن يبحثن في أشياء ، ويتتبعن العورات ، ويفرحن بالعيوب ، ويسألن عن أشياء لا تعنيهن إطلاقا ،ثم يذهبن فيتصرفن فيما علمن من أخبار الآخرين زيادة أو نقصا ، أو يتصرفن فيما وجدن من عيوب كيف شئن مما ينتج عن ذلك قبول الكلام في الناس، ونقله من غير رقابة لله، ولا
خوف من العاقبة ،وقد نهانا عن ذلك الإسلام أشد النهي ، وبعضهن يفخرن على بعضهن البعض ، ويخرجن أسرار بيوتهن مع أزواجهن ، وبعضهن يؤلبن بعض المؤمنات الطائعات لأزواجهن ، الراضيات بحالهن ،على أبعالهن فيتدخلن بين الزوجين ، تارة بالفخر والرياء والشهرة والكذب ، وتارة بالغيبة والنميمة ، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على سوء إسلامهن ، لأن الملتزمة لا تقدم على ذلك وهي تقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم :<< من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه >> قال أبو ذر رضي الله عنه :ومن جعل كلامه من عمله قل كلامه فيما يعنيه فكيف بما لا يعنيه ، وقال الحسن البصري رحمه الله :من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه .
وعن ملك أنه بلغه أنه قيل للقمان الحكيم :ما بلغ بك ما نرى من الفضل ؟فقال :صدق الحديث وأداء الأمانة ، وترك مالا يعنيني. وأن من تدخل فيما لا يعنيه فلا يلومن إلا نفسه إن سمع أو وجد ما لا يرضيه فحاسب نسفك أخيتاه ، وليسعك بيتك وابكي على خطيئتك ، وإذا رأيت أنه لابد من الانشغال بهموم المسلمين فابدأ بالانشغال بهمومك وعيوب نفسك عن عيوب الآخرين ، وإن حدثتك نفسك بعيوب الآخرين فقل لها يا نفس إن للناس أعينٌ وألسنُ .
كثرة القيل والقال :
من الملاحظ عن كثير من أخواتنا أنهن ما استطعنا أن يمسكن ألسنتهن عما نهانا عنه الإسلام ، فقد قال صلى الله عليه وسلم :<< إن الله كره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال >> أما الغيبة والنميمة الفاكهة الُمشغوفين بها ، التي يُتلذذ بطعمها فحدث ولا حرج ، فهم الكثيرات إذا التقين لا يجلسن إلا على ما يغضب الله من هتك للأعراض ، وتجاوز للحدود ،واستمتاع بالوقوع في الآخرين وغمزهم ولمزهم ، والمشي بينهم وبين غيرهم بما يمزق العلاقات ، ورب كلمة أشعلت فتيل الفتنة ، ورب كلمة كانت سببا في طلاق امرأة ، أو ملئت قلبا محبا بالبغض والكره والعداوة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : << إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلق لها بالا يهوي بها سبعين خريفا في النار>> فإذا كانت هذه كلمة الواحدة فكيف بمن تطلق للسانها العنان ، وتأتي بالمنكر من القول والزور والبهتان ، فإن لله وإنا إليه راجعون .أفلا تحسبين ألف حساب لذلك اليوم وأنت تلقى في النار سبعين سنة بسبب كلمة واحدة طائشة ما قصدت أن تقوليها ؟كما تزعم الكثيرات إذا رُجعن فيما قُلن أو نَقلن .
فالبدار البدار قبل الرحيل إلى دار القرار ، فإني لكي نذير وعما قليل يرجع إليك البصر نادما وهو حسير ،واسألي الله الثبات والتيسير .
يتبع إن شاء الله ...